لماذا يعتبر تطعيم الأطفال أمراً هاماً؟


للوهلة الاولى نعتقد بان الاجابة على هذا السؤال واضحة, فيعتبر التطعيم انجازا كبيرا في عالم الطب والتقدم البشري.


بفضل التطعيم اختفت من العالم العديد من الامراض العدوائية المخيفة والقاتلة. كالجدري (Smallpox), الكزاز (Tetanus), شلل الاطفال وغيرها. ادى منح التطعيم لانخفاض كبير في عدد حالات الشاهوق (Pertussis), الحصبة (Measles), التهاب الكبد (Hepatitis) والتهاب السحايا (التهاب اغشية الدماغ - Meningitis) حاليا تبذل الجهود لتقليل عبء مضاعفات الحماق (Chickenpox), الاسهالات الخطيرة لدى الرضع وحتى منع حالات سرطان عنق الرحم. اذن, لماذا توجد اصوات تشكك بالحاجة للتطعيمات؟
تسمع هذه الاصوات كثيرا عبر شبكة الانترنت, وفي وسائل الاعلام المكتوبة وحتى في برامج التلفاز. لا شك لدينا بان قرار الاهل بعدم تطعيم اطفالهم, نابع من ايمانهم بان هذا القرار هو الافضل والانسب لاطفالهم. ما لا يعلمه هؤلاء الاهالي, انه وعندما لا يقومون بتطعيم اطفالهم, هم يرتكبون خطا فادحا, يستند الى معلومات مغلوطة وعلى انصاف حقائق. وسيدفع ثمن هذه الخطا اطفالهم واطفال اخرون من حولهم.
احد التفسيرات المثيرة للعجب والتي تبدو مقنعة للوهلة الاولى, هو ان التطعيم قد يسبب اضرارا في دماغ ويؤدي للاصابة بامراض كالتوحد وامراض دماغية اخرى. عند معاينة هذه الحالات, يجب اخذ عدد من الحقائق بعين الاعتبار. معظم الامراض الوراثية والتنكسية الصعبة تظهر في اول سنتين من حياة الرضيع, وهذه هي السنوات التي يتلقى بها الاطفال معظم التطعيمات, مما يجعل القاء اللوم على التطعيمات في التسبب بهذه الامراض امرا غاية في السهولة.
اذ ان كل طالب مبتدئ في العلوم, يعلم بانه حتى اذا وقع حادثين على مقربة من بعضهما, ينبغي الا نتسرع في التوصل للاستنتاج بان احدهم هو سبب الاخر. 
الطريقة المثلى لفحص ما اذا كان التطعيم يؤدي لحدوث كل هذه الظواهر الفظيعة, هي اجراء ابحاث بطريقة علمية ومنهجية لفحص ما اذا كانت الظواهر كالضرر الدماغي, التوحد, الموت السريري وغيرها, اكثر انتشارا وسط الاطفال الذين يتلقون التطعيم, مقارنة مع اولئك الذين لا يتلقون التطعيمات.
وفعلا يتم القيام بهذا الفحص العلمي على نطاق واسع ولفترة كبيرة من الوقت, تستبعد نتائج هذه الفحوصات بشكل حاسم, وجود علاقة بين التطعيمات وهذه الظواهر الماساوية.
اضافة الى ذلك, تبين بانه لا توجد علاقة على الاطلاق بين اعطاء تطعيم الحصبة وبين ظهور التوحد, وان الدراسات الاولى التي اشارت الى وجود هذه العلاقة كانت فاضحة وكاذبة.

اثبت ايضا وعلى خلاف الذعر الذي دب بالجمهور في سنين سابقة, ان اعطاء تطعيم الانفلونزا غير مرتبط بحالات موت, وان اعطاء التطعيم الجديد لسرطان عنق الرحم لا يؤدي لنشوء ظواهر مرضية اكثر لدى النساء اللواتي تلقين التطعيم مقارنة مع اللواتي لم يتلقين التطعيم.
في الواقع, التاثيرات الجانبية للتطعيم سهلة نسبيا, وتتلخص عادة بارتفاع درجة الحرارة وبالتهيج في موضع الحقنة, لبضعة ايام فقط. حدوث تاثيرات جانبية هو امر نادر جدا.
بينما عندما نقارن هذه التاثيرات مع تداعيات عدم التطعيم, نرى ان النتائج قتالة. فمعدل الوفاة والاصابة بالامراض الخطيرة المربوطة بالامراض المعدية الصعبة,  قد يصل معدل الوفاة فيها احيانا الى حالة واحدة من بين 10 اشخاص يصابون بالعدوى.
الاشخاص الذين يعارضون فكرة التطعيم, يدعون بانه يؤدي الى عبء على جهاز مناعة لدى الطفل الرضيع. لكن كل من يعرف حتى لو بشكل سطحي مبنى جهاز المناعة, سوف يدحر هذا الادعاء بسهولة. وذلك لان جهاز مناعة الطفل الرضيع, يسمح له بمواجهة اكثر من 100 الف عامل عدوائي. علاوة على ذلك, اثناء الاصابة بعدوى فيروسية بسيطة, يواجه الطفل عشرات البروتينات الغريبة في ان واحد. مما يجعل الادعاء القائل بان مواجهة عشرات البروتينات الغريبة التي تعطى خلال السنة الاولى من حياة الرضيع في اطار التطعيمات, عبئا على الطفل الرضيع, امرا سخيفا. هذا الامر مشابه للادعاء بان حمل سلة من المواد الغذائية من المتجر يشكل عبئا بالنسبة لرافع اثقال متمرس.
كما ان معارضي التطعيم, يزعمون بان اللقاحات تحتوي على مواد غريبة وضارة, كالزئبق والمواد الحافظة. الحقيقة هي ان املاح الزئبق التي كانت توضع مع التطعيمات كمادة حافظة ولمنع تلفه, تم اخراجها من التطعيمات الدورية, والتطعيم الوحيد الذي لا يزال يحتوي على املاح الزئبق هو لقاح الانفلونزا. مع ذلك, من المهم توضيح حقيقة انه لو كانت هذه المواد تسبب ضررا فعليا, لكنا قد اكتشفنا ذلك في الدراسات الوبائية التي تقارن بين الاشخاص الذين تلقوا تطعيمات وبين اولئك الذين لم يتلقوا التطعيمات. اذ ان الحديث يدور عن مئات الملايين من الاشخاص الذين تلقوا التطعيمات, لذلك لا نستطيع الافتراض بان ضررا من هذا النوع لم يكن لينعكس في الدراسات البيئية التي اجريت على مر السنين.
احيانا تكون هناك اقوالا اكثر اعتدالا, كقول "انا لا اعارض جميع التطعيمات" او "من المحبذ التطعيم ولكن مع اخذ الحيطة" او "ينبغي التطعيم ولكن في مرحلة متاخرة" وغيرها.
لا تستند هذه الاقوال الى اساس علمي, وهي تؤدي في نهاية المطاف لزيادة نسبة الاطفال الذين لا يتلقون التطعيمات, الامر الذي يجعل افراد المجتمع عامة يدفعون ثمنا باهظا ينعكس بارتفاع معدل الامراض والوفاة عند الاطفال الرضع. حيث ان معظم الامراض المعدية لم تختفي بشكل مطلق من العالم, وفي اللحظة التي ينخفض فيها مستوى الحصانة, سوف تظهر هذه الامراض من جديد.
يمكن التعلم من خبرة الدول المتقدمة مثل انكلترا, اليابان والسويد, فلقد دب ذعر غير مبرر وسط السكان, مصدره تطعيمات الحصبة والشاهوق, مما ادى الى انخفاض ملحوظ في معدل الذين يتلقون التطعيمات. لكن سرعان ما ادى هذا الانخفاض الى ارتفاع معدل الاصابة بمرض الحصبة والشاهوق, وزيادة معدل الوفاة. دفع العديد من الاطفال حياتهم ثمنا للتصريحات غير المسؤولة وثمنا  لتضليل جمهور الاباء.
يجدر التنويه الى ان اعطاء التطعيم لا يعتبر اضافة او امتيازا, على الوالدين ان ينظرا فيما اذا كانا يرغبان باعطائه للطفل او عدم اعطائه.
حرمان الطفل من التطعيم هو بمثابة سلبه الحق في ان يتمتع بثمار التقدم في عالم الطب, والذي قد يساهم في الحفاظ على صحته.
في الواقع, الامتناع عن اعطاء التطعيمات, يعني ان ناخذ طفلا يعيش في القرن الواحد والعشرين, لرحلة في الة الزمن الى القرن التاسع عشر, مع كل المخاطر الصحية المقرونة بذلك. ونحن واثقون من انه لا يوجد والد يريد ان يحصل ذلك لابنه. لذا, وفي سبيل صحة اطفالكم, وفي سبيل مجتمع صحي وامن اكثر, واظبوا على تطعيم اطفالكم.

Commentaires