تمددت ليزا إيكولا على الأريكة بصالة منزلها الكائن في كابيتول هيل تعد الساعات حتى تتمكن من رؤية طبيب اختصاصي تأمل بحماس أن يخبرها لماذا لم تعد قادرة بأي حال من الأحوال على إبقاء عينيها مفتوحتين.
ظلت إيكولا، 42 عاما وتعمل باحثة في سياسة النقل في مؤسسة «راند»، تعاني من رعشة في عينيها حتى في الظلام لعدة أشهر. واقترح عليها اختصاصي تصحيح الإبصار الذي أصيب بالحيرة أن تستشير اختصاصيا في طب العيون العصبي، وهو طبيب متخصص في أمراض العيون التي يكون مصدرها وجود خلل في الجهاز العصبي.
انتظرت إيكولا أسابيع حتى حصلت على موعد الذي كان مقررا له يوم 15 ديسمبر 2010، ولكنها في اليوم السابق لذلك اليوم كما تقول: «قمت بتشغيل الكومبيوتر المحمول الخاص بي، ولكن عيناي أغلقتا». ومما أصابها بالهلع أنها اكتشفت أن عينيها تظلان مفتوحتين لدقائق معدودة فقط في كل مرة.
قامت إيكولا بالاتصال بالاختصاصي وهي مذعورة لتأكيد الموعد، ولكنها اكتشفت أنها لن تتمكن من رؤيته على الإطلاق، حيث إن اسمها لم يكن مدونا في سجلات عيادة الاختصاصي.
تقول إيكولا، التي أشارت إلى هذه اللحظة بأنها الأسوأ في سعيها لتشخيص حالتها: «لقد شعرت بالذعر فعلا، حيث إنني كنت متأكدة أنني أعاني من ورم في المخ». ولكن تبين أن المشكلة التي تعانيها أقل خطورة بكثير ومن السهل علاجها.
ونجحت إيكولا في الحصول على موعد مع اختصاصي آخر في اليوم التالي، الذي شرح لها تلك المجموعة الغريبة من الأعراض التي جعلتها غير قادرة على مغادرة منزلها.
تشنج وتثاؤب
عانت إيكولا لأعوام طويلة من تشنجات متقطعة وغير مبررة في وجهها، حيث كان وجهها يبدو كما لو كانت تتذوق شيئا سيئا المذاق. ونظرا لأن هذا الشكل من الأعراض كان مرتبطا بالإجهاد، قامت إيكولا باستشارة معالج سلوكي في محاولة لتبديد هذا الشعور بالإجهاد عن طريق التدريب على قلب عاداتها باستخدام تمارين الاسترخاء وبذل جهد واعٍ لوقف هذه التشنج.
وحتى أوائل عام 2010، عادة ما كان هذا العلاج يؤتي بثماره، حيث بدت إيكولا قادرة على التحكم في هذا التشنج.
تقول إيكولا إنه في الوقت الذي تفاقمت فيه حالة التشنج التي تعانيها هذا الصيف، لاحظت وجود شد متكرر وغير عادي في وجهها كما لو أن هناك «خيطا مربوطا على شكل دائرة يمر من حاجبي عبر خدودي وفكي، وأن هناك شخصا يقوم بسحب هذا الخيط برفق». وفي نهاية هذا اليوم، شعرت إيكولا بآلام في وجهها.
وبعد بضعة أشهر، حصلت إيكولا على شاشة كومبيوتر كبيرة في مكان عملها، ولكنها لاحظت أن عينيها ترتعشان كلما نظرت إلى هذه الشاشة، حيث بدت عينها أكثر حساسية للضوء من ذي قبل. تقول إيكولا: «اعتقدت أن هذه الحالة ناجمة عن زيادة الضوء، ولكنني لاحظت بعدها أن عيناي ترتعشان حتى في الظلام».
كانت حالة التثاؤب التي لا تتوقف هي أكثر شيء لفت انتباهها، فعلى الرغم من أنها لم تكن تشعر بالتعب، كانت إيكولا تتثاءب بمعدل 200 مرة في اليوم. كانت تتثاءب خلال الاجتماعات في عملها وأثناء تناولها العشاء مع زوجها.
عادة ما كان أصدقاؤها وزملاؤها في العمل وحتى الغرباء يسألونها عما إذا كانت قد حظيت بالقدر الكافي من النوم، وكانت تؤكد لهم دوما أنها أخذت قسطا كافيا من النوم. كانت إيكولا تشعر بالخزي عندما كان أحد المرشحين لوظيفة عليا يعتذر لها بقوله إنه جعلها تشعر بالملل.
وقد قررت معرفة ما إذا كان العلاج عن طريق الوخز بالإبر يمكن أن يقلل مشكلة ارتعاش جفن العين أو التثاؤب، فيما انتظرت لمعرفة اختصاصي طب العيون العصبي الذي سيرشحه لها طبيب العيون الذي تتعامل معه.
ارتعاش العين
وبعد ستة علاجات فاشلة، اقترح اختصاصي العلاج بالوخز بالإبر أن تحتفظ بسجل، وتلاحظ ما إذا كان ثمة عامل يبدو أنه يسبب التثاؤب أو ارتعاش جفن العين. وبعد بضعة أسابيع، عقب مواجهتها مشكلات في إبقاء عينيها مفتوحتين أثناء أحد الاجتماع، زارت إيكولا إحدى صديقاتها في العمل واكتشفت أن مشكلة ارتعاش عينيها قلت بشكل كبير بمجرد أن بدأت الحديث.
ونظرا لخوفها من احتمال أن تبدو مجنونة إذا تحدثت لنفسها، بدأت في إجراء محادثات هاتفية بهاتفها الجوال، حتى لو لم تكن تحادث شخصا فعليا. وحينما ملت من الهاتف، رددت أغنيات احتفالا بعيد الميلاد، حيث كان الوقت هو نوفمبر (تشرين الثاني).
لكن بعد أسابيع عديدة، لاحظت إيكولا أن استراتيجياتها في التعايش لم تعد تحقق النجاح المطلوب.
فقد باتت تغادر العمل في ساعة مبكرة؛ كان قضاؤها يوما كاملا في المكتب مرهقا جدا. وقالت إيكولا إنها متأكدة من أن اختصاصي طب العيون العصبي سوف يشخص المشكلة، ولكنها خشيت من أن يخبرها بأنها تعاني من مرض خطير في المخ. وقالت إنها لم تفكر مطلقا في الذهاب إلى غرفة طوارئ، ولم تتصل بطبيب الرعاية الأولية الخاص بها، لأن الحصول على موعد يتطلب وقتا طويلا.
تشنج الأجفان
«الحالة واضحة جدا» .. بعد إصابتها بالإحباط لدى علمها بأنه لا يوجد سجل لموعدها، شرحت إيكولا أزمتها لموظف الاستقبال، وطلبت المساعدة. وبعد التشاور مع الطبيب، قيل لإيكولا إنها يجب أن تتصل بطبيب أمراض عصبية متخصص في اضطرابات الحركة.
واتصلت بقسم طب الأعصاب بكلية الطب بجامعة جورج واشنطن، حيث كان مريض قد قام بإلغاء حجزه، وكان هناك وقت شاغر في اليوم التالي.
كان ذلك عندما التقت تيد روثستاين، زميل طب الأعصاب بجامعة جورج واشنطن الذي يرأس برنامج اضطرابات الحركة.
وفي غضون بضع دقائق، أخبرها بالمشكلة: تبين أن إيكولا مصابة بمرض «تشنج الأجفان البدئي الحميد» (benign essential blepharospasm)، وهو عبارة عن اضطراب عصبي يميزه تشنج الجفون اللاإرادي ورعشة العينين.
وعندما تكون تلك الحالة مصحوبة بالتثاؤب أو بحركات للوجه، تعرف باسم «متلازمة ميغ» (Meige’s syndrome)، وهو المرض المعروف أيضا باسم «خلل التوتر القحفي الوجهي» (Craniofacial dystonia). وبغض النظر عن التشخيص، يظل العلاج واحدا.
وقال روثستاين: «تكون الحالة واضحة إذا أتى مريض عيناه ترتعشان وتظهر على وجهه تكشيرة ويتثاءب»، مع أنه يجب استبعاد أسباب أخرى أولا.
ويصيب هذا المرض واحدا من بين كل 20000 شخص، ويبلغ معدل الإصابة عند النساء ضعف معدل الإصابة عند الرجال. وينتج هذا المرض عن حدوث خلل في وظيفة العقدة القاعدية، ذلك الجزء من المخ المسؤول عن التحكم في العضلات، مع أن سبب الخلل غير معروف.
غالبية من يصابون بتشنج الجفون يصابون بهذه الحالة بشكل مفاجئ، حسب معهد العيون الوطني، ولكن في حالات أخرى، حسب ما خلصت إيكولا، تحدث الإصابة بشكل تدريجي. وحسب ما اكتشفت إيكولا، فإن الحديث - أو بالنسبة لآخرين التركيز على مهمة محددة - يمكن أن يقلل بشكل مؤقت من حدة الأعراض.
يرجع الوصف الأول للمرض إلى القرن السادس عشر، حينما رسم الفنان الفلمنكي بيتر بروغيل لوحة «دي غابر»، وهي عبارة عن لوحة تعرض حالة التقلص اللاإرادي لعضلات الوجه. على مدار قرون، كان يتم التعامل مع المصابين بهذا المرض على أنهم مجانين.
وانتشرت وجهة النظر هذه حتى أوائل القرن العشرين، عندما أدرك الأطباء أن المشكلة عصبية وليست نفسية. (تصف الروائية الأسكوتلندية كانديا ماكويليام، معاناتها مع مرض تشنج الجفون في كتابها الجديد «ما يجب أن تبحث عنه في الشتاء.. مذكرات العمى»).
وقال روثستاين إن مرض تشنج الجفون أحيانا ما يشخص بشكل خاطئ على أنه حالة التهاب جفون (blepharitis)، وهو عبارة عن التهاب جفون العين الذي يمكن أن يسبب تورما، أو تشنجات تنتج عن تهيج أعصاب الوجه.
وفي حالات أخرى، يشخص بشكل خاطئ على أنه حالة إصابة بمرض «خلل الحركة المتأخر»(Tardive dyskinesia)، وهي حالة مرضية، أحيانا ما تكون مزمنة، التي يميزها تقلص عضلات الوجه، تلك الحالة التي يمكن أن تحدث نتيجة تناول مضادات الذهان. ونظرا لأن إيكولا لم تكن قد تناولت أيا من تلك الأدوية من قبل، فإن حالتها لم تكن خطيرة.
يسترجع روثستاين قائلا: «كانت قلقة جدا بشأن هذا»، قائلا إنه طمأنها إلى أن «هذه تعتبر حالة يمكننا التعامل معها بشكل فعال».
علاج فعال
وصف روثستاين لها دواء أرتين Artane))، وهو دواء يستخدم في علاج مرض باركنسون، وأحالها لمتخصص آخر لحقنها بحقن البوتوكس حول عينيها لشل عضلاتها بشكل مؤقت، على نحو يقلل مشكلة ارتعاش الجفن.
وقالت إيكولا إنه خلال الشهر الذي احتاجه العلاج بالبوتوكس كي يبدأ، مكثت في منزلها، متساءلة عما إذا كان سيتسنى لها أن تعود للرؤية بشكل طبيعي مجددا أم لا. وعلى الرغم من أن الدواء قد ساعدها، فإنه لم يخفف جميع الأعراض التي عانت منها: لم يمكنها أن تبقي عينيها مفتوحتين عندما تأكل، واستمرت حالة التثاؤب من دون توقف.
أحدثت الحقن فارقا كبيرا، حسب قولها، مع أنها تقول إن الأربع عشرة حقنة المؤلمة التي تحقن بها حول عينيها كل ثلاثة أشهر «تبدو مثل حقن إنفلونزا».
بدا أن السيطرة على عرض التثاؤب هو الأكثر صعوبة. وبعد استشارة خمسة أطباء أمراض عصبية، الذين لم يكن لديهم أي تفسير لسبب استمرارها في التثاؤب دون توقف، عادت إيكولا إلى المعالج السلوكي لتخضع لجلسات تعديل السلوك وتمارين التنفس العميق. وبناء على اقتراح من المعالج اليدوي الذي تتعامل معه، بدأت في تناول أحد مكملات الماغنسيوم، المفترض أنه يساعد في تحسين وظائف العضلات.
ومع أنه ليس من الواضح ما إذا كان أي من هذه العلاجات قد أجدى نفعا أم لا، فإنه في غضون أسابيع، قل عدد مرات التثاؤب اليومية من مئات المرات إلى عشرات المرات، على حد قول إيكولا.
لقد تطلب تعايشها مع حالتها المرضية إدخال تعديلات على نمط حياتها، حيث لم يعد باستطاعتها ارتداء عدساتها اللاصقة، وأصبحت على وعي بأن وجهها يبدو ملتويا إلى حد ما في بعض الأحيان، وأخذت تكافح مشكلة جفاف فمها نتيجة العلاج. إنها تدرك أنه من المحتمل أن تسوء حالتها مع تقدمها في العمر، لكنها تتطلع للأفضل. وفي حالة عدم تحقق ذلك، يمكن أن تخضع لجراحة لاستئصال بعض أعصاب وعضلات الجفون.
«أشعر بأنني محظوظة لأنني تمكنت من الحصول على تشخيص بتلك السرعة الفائقة»، هكذا تحدثت، مضيفة أنه في مجموعة الدعم التي انضمت إليها سمعت أخبارا عن مرضى أمضوا سنوات حتى حصلوا على تشخيص صحيح لحالتهم وخضعوا لجراحات للتخلص من حالات مرضية لم يكونوا يعانون منها بالأساس. تقول: «ربما ستظل حالتي في المستقبل على ما هي عليه الآن، والتي ربما لا تكون مماثلة للحالة التي كنت عليها من قبل .. غير أن ثمة أشياء كثيرة يمكنني القيام بها الآن».
Commentaires
Enregistrer un commentaire